بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
افتتاحية طليعة لبنان الواحد
ازمة سوريا لا للتدويل والاقلمة... نعم للتعريب
|
شبكة البصرة
|
لم يكن الأمر يحتاج إلى تصريح محمد علي جعفري عن تواجد "للباسدران" في سوريا، لقطع الشك باليقين، بأن النظام الإيراني يتدخل في الشأن السوري على المستوى السياسي، كما على مستوى العملاني، وكل ما له علاقة بسياقات الأزمة. فهذا النظام لا يترك سانحة إلا ويستغلها، لإثبات دوره في المنطقة كلاعب إقليمي يريد أن يكون له موقعاً ثابتاً في ترتيبات الحلول للأزمات "الوطنية" وخاصة العربية منها.
والحضور الإيراني في الشأن السوري ليس جديداً، بل يمتد إلى الفترة التي حصل فيها التغيير في إيران، وأدى إلى إمساك المؤسسة الدينية بدفة الإشراف على الحكم، لتنتهي الأمور حالياً، بإمساك "الحرس الثوري" بمفاصل السلطة وتوجيه الامور بالشكل الذي يخدم النزوع الإيراني نحو تكريس دور إقليمي في ظل الفراغ العربي، الذي نشأ عن غياب محورية الموقع المصري وضرب العراق واحتلاله وما ترتب على ذلك من نتائج. لكن الأهم من تصريح الجعفري بالنسبة لنظامه، هو اغتباطه بالاقتراح المصري، بتشكيل لجنة رباعية مؤلفة من مصر وتركيا وإيران والسعودية، لإيجاد آلية حل للأزمة في سورية.
هذا الاغتباط الإيراني الذي تلقفه النظام بسرعة، نابع من إدراك بأن دوره أصبح مسلماً به إقليمياً وأن محاولات عزله عن هذا الدور في ترتيبات الحلول لأزمات المنطقة قد باءت الفشل وها هو يطل على أزمة مفصيلة في الواقع العربي كضلع رباعي عله يعوض خسارته في ساحات أخرى كما حصل في اليمن والبحرين، ويقوي نفوذه في العراق، ويبقى تواصله مع الساحة اللبنانية عبر البوابة السورية التي وظف تسهيلاتها في الحد الأقصى الممكن للعبور إلى لبنان.
والحديث عن الدور الإيراني في الشأن السوري، لا يعني أنه الدور الوحيد، بل ثمة أدواراخرى لمواقع إقليمية ودولية، ومواقع عربية باتت لها تأثيرات في مسار الأزمة، نظراً لانكشاف الوضع السوري على كل أشكال التدخل، والمستوى الذي بلغته الأزمة من تعقيدات، بسبب ممارسات النظام الذي أختار الحل الأمني لمعالجة أزمة سياسية بنيوية، وعدم انفتاحه بداية على طرح إصلاحي جدي، مما أدى إلى عسكرة مضادة لحركة الاحتجاج الشعبي، ورفع سقف المطالب السياسة من الإصلاح إلى التغيير.
وأنه بعد أكثر من سنة ونصف على تفجر الوضع في سوريا، وارتفاع فاتورة التكلفة السياسية والبشرية والاقتصادية والمادية، ما زالت المحاولات الرامية لاستنباط حلول تجنب سوريا الانزلاق إلى حرب أهلية، وأخرها ما كلف به الأخضر الإبراهيمي الذي يتحفظ حتى الآن عن تقديم رؤية متكاملة لتظهير مرتكزات حل سياسي، يضع حداً لهذا الشريط الدموي الذي يودي يومياً بحياة العشرات لا بل المئات من المدنيين، وما بينهم من قوى وأفراد وعناصر ذات صلة بقوى السلطة من جانب، وبقوى المعارضة في جانب أخرى.
في خضم هذا المعطى السوري المتفجر، عقد في دمشق مؤتمر لقوى وطنية سورية، وأن ما صدر عن هذا المؤتمر من مقررات وتوصيات، وأن كانت لا تستند إلى رافعة سياسية قادرة على حملها وتسويقها، إلا انها تعطي دلالة واضحة، بأن المزاج الشعبي العام، والقوى السياسية التي تتماهى مع هذا المزاج لم تعد ترى مخرجاً من أتون هذه الأزمة سوى التغيير السياسي، الذي يضع حداً لهذا الصراع الدموي، ويحفظ لسوريا مقوماتها الوطنية، عبر رفض العسكرة، وكل اشكال التدخل الأجنبي، وفتح كوة في جدار الأزمة عبر مرحلة انتقالية، تكون ملائمة لإعادة هيكلة الحياة السياسية في سوريا، بالعودة إلى الشعب كمصدر وحيد للسلطات وما تفرزه هذه الهيكلة يكون هو الممثل الشرعي السوري بعيداً عن شرعية ومشروعية النظام التي سقطت بالممارسة العملية وبعيداً عن المسميات السياسة المعارضة التي برزت في سياقات الأزمة، ولم تستطع أن توحد نفسها، وتقدم رؤية موحده للتغيير في سوريا.
إذاً، أن الذي طرح في مؤتمر دمشق الأخير وكانت المبادرة لعقده من قوى تعمل تحت يافطة هيئة التنسيق هو خطوة مهمة، لكن هذه الخطوة بالإمكان إجهاضها بسرعة إذا لم تتوفر لها حاضنة سياسية ليس على مستوى الاحتضان التنظيمي، لأن هذا يثير اشكالات مع قوى أخرى وحسب، وإنما ايضاًعلى مستوى الاحتضان السياسي للعناوين التي طرحت كمخرج لتظهير حل سياسي وطني للأزمة في سوريا.
ولأن سوريا بكل قواها، السلطوية والمعارضة، تحتاج إلى مساعدة للخروج من المأزق، الذي ثبت حتى الآن، ان أحداًمنهما ليس بمقدوره أن يحسم الأمر لصالحه، وإنهما حتى اللحظة، لم يقدما تنازلات متقابلة، بل على العكس من ذلك، ازداداً تمترساً في خنادقهما السياسية والأمنية، واندفعاً بحكم الحاجة والضرورة إلى الاستقواء السياسي والإعلامي والعسكري والمالي بقوى خارجية، وبما أضعف قدرتهما على التصرف باستقلالية في تحديد خياراتهما السياسية، كل ذلك يدفع إلى البحث عن طرف ثالث، يكون بحكم موقعه وانتمائه وهويته مؤهلاً لأن يجمع الأضداد في سوريا في ظل خيمة واحدة يجد الجميع انه بحاجة للتظليل بها.
إن هذا الخيار، هو خيار التعريب للأزمة في سوريا، وذلك لسببين، السبب الأول، لأن الدور العربي، ليس دوراً أجنبياً، كل ما يحصل في الأقطار العربية إنما يندرج في إطار الداخل العربي، وثانياً لأن التعريب يقطع الطريق على أقلمة الحلول واستطراداً على تدويلها.
إن إيران كلاعب إقليمي تريد حلاً إقليمياً، ولهذا طربت للاقتراح المصري، وتركيا لا تقل اغتباطاً عن ذلك، وأميركا كلاعب دولي أساسي ومعها مواقع دولية أخرى، تريد تدويل الأزمة، كي ترسم سقف حلول يتلائم ومصالح هذه المواقع والدول ولو كان على حساب الشعوب وتضحياتها،لان المهم بالنسبة للمواقع الإقليمية والدولية هو تأمين المصالح وقبل أي شيء آخر.
من هنا، فإن الدعوة إلى إعادة الأزمة في سوريا إلى رحاب التعريب، يتطلب مبادرة عربية جدية، وان المؤهل لطرح هذه المبادرة هو الموقع المصري باعتبار ان مصر هي الموقع الأكثر تأثيراً في الواقع العربي وهي الموقع الوازن والقادر على طرح مبادرات وتوفير آليات تنفيذية لها.
وعليه، ان المصلحة الوطنية السورية والمصلحة العربية، تتطلب طرح مبادرة عربية لحل الأزمة السورية. وكان الأجدى بالرئيس المصري، ويدل أن يدعو إلى تشكيل لجنة رباعية، وهو يعرف أنها لم تستطع أن تجترح حلاً، لا بل أنها توفر حضوراً لمواقع النفوذ الإقليمي على حساب الدور العربي، كان أجدى به أن يدعو إلى قمة عربية استثنائية وفي مصر بالذات وأن لا تكون هذه المبادرة من باب رفع العتب وحسب، بل يجب أن تكون مستندة إلى مقدمات، وأولى هذه المقدمات، ان تدعو مصر جامعة الدول العربية، إلى تجميد العقوبات السياسية والاقتصادية والإعلامية عن سوريا، ودعوة النظام إلى وقف العمليات الأمنية والعسكرية، وسحب قواته المدرعة من المدن والشوارع، واستحضار معطيات الحل اليميني في تظهير الحل كمرحلة انتقالية، تتوفر لها كل الضمانات السياسية، وكل الضرورات الاقتصادية والمالية لإعادة اعمار ما تهدم وإعادة الاطمئنان إلى المكونات المجتمعية.
إن تعريب الحل في سوريا، هو الحل الأكثر مقاربة من الناحتين الوطنية والقومية، ونحن كما نرفض أي تدويل للأزمة السورية كما أزمات وطنية أخرى، نرفض أقلمة هذه الأزمة، لأن التدويل أو الأقلمة، هو إسقاط الغطاء العربي، لا بل اكثر من ذلك هو انكشاف العرب أمام كل أشكال التدخل، وهذا يصب في ما يخطط له من اعتبار هذه الأمة لا تشكل مكوناً قومياً واحداً، بل هي عبارة عن مجموعات من المكونات المجتمعية بعضها تحركه المحفزات الطائفية والمذهبية وبعضه تحركه محفزات الأقلوية الأثنية، ومن خلال هذه المحفزات، يعطي للصراع السياسي بعده الديني أو الطائفي والمذهبي، والاقلوي القومي، وان المواقع الإقليمية، لا تجد غضاضة، في استغلال هذه الحالات لتنفيذ أجندات خاصة بها.
إننا ضد إعطاء دور لإيران في ترتيبات الحل السياسي لازمة سوريا، والأمر ينطبق على الدور التركي، وأكثر من ذلك اننا، ضد تدويل الأزمة، وخيارنا، هو تعريب الحل الذي يحتضن الحالة الوطنية السورية تحت عناوين التغيير ببعده الوطني القومي ومضمونه الديموقراطي، والذي من أولى شروطه، رفض ومقاومة التدخل الأجنبي، ورفض العسكرة للصراع وفتح الأفاق أمام إعادة هيكلة الحياة السياسية في ظل آمن وأمان وطنيين، لا دورفيه للمنظومة الأمنية في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي.
من هنا، على مصر أن تبادر، وعليها تقع المسؤولية، والفرصة ما زالت متاحة، وفي هذا اختبار لمدى قدرة مصر على إعادة الاعتبار لدورها المحوري والقيادي عبر التدخل لحماية الأمن القومي العربي من بوابة التصدي بالحل للأزمات الوطنية.
إن التعريب هو الحل، خاصة لأزمة باتت مستعصية عن استنباط حلول لها عبر أدوات الصراع الداخلي وان يأتي الحل العربي متأخراً، أفضل من ان لا يأتي أبداً نقولها:
بصوت عالٍ لا للتدويل والاقلمة نعم لتعريب الحل..
|
شبكة البصرة
|
الخميس 11 ذو القعدة 1433 / 27 أيلول 2012
|
Friday, 28 September 2012
افتتاحية طليعة لبنان الواحد ازمة سوريا لا للتدويل والاقلمة... نعم للتعريب
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment